الإمارات اليوم

تناقضات صارخة في ردود الأفعال الدولية إزاء حربي العراق وأوكرانيا

جوناثان ستيل* *مراسل سابق ل«الغارديان» ترجمة: حسن عبده حسن ⬛ عن «الغارديان»

إنها لمصادفة جيدة أن تأتي الذكرى السنوية ال20 لهجوم الرئيس الأمركي السابق جورج بوش، ورئيس حكومة المملكة المتحدة توني بلر، غر الشرعي على العراق، بعد بضعة أسابيع من الحرب غر الشرعية في أوكرانيا. ولم يكن أي من الحربن بتخويل من الأمم المتحدة، وتميزت كلتاهما بحدوث أعمال تدمر واسعة، وخسائر بشرية كبرة.

وأدى غزو بوش وبلر للعراق واحتاله، وما نجم عن ذلك من فوضى، إلى حصد أرواح نحو مليون مدني وفق أحد الإحصاءات. وارتكبت القوات الأمركية عدداً لا يحى من جرائم الحرب، ليس أقلها تعذيب الجنود الذين تم أسرهم. وقام الجنود الأمركيون بإذلال السجناء العراقين في سجن أبوغريب، قرب بغداد، وهو ما يعتر انتهاكاً لاتفاقية جنيف الدولية. وأثار الاجتياح مقاومة على نطاق واسع، ولكن تكتيكات الولايات المتحدة لمحاربة المقاومن شملت الكثر من الغارات الجوية على القرى، ما أدى إلى حدوث مجازر وسط المدنين العزل.

واتسمت ردة فعل دول العالم على غزو بوش وبلر بالرفض، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوة ضدهما، ولم يتم فرض أي عقوبات حكومية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا، ولم يبادر المحققون من المحكمة الدولية بأخذ أية أدلة من أجل الماحقات القضائية لجرائم الحرب التي تم ارتكابها. ودعا بعض الأشخاص، وبعض منظمات حقوق الإنسان، إلى مقاضاة بلر، بتهمة ارتكاب جريمة العدوان، ولكن لم تطلب أي حكومة من الأمم المتحدة اتخاذ قرار لفتح قضية ضد بلر وبوش.

نفوذ روسيا هزيل

والآن لننظر إلى ردة الفعل المختلفة تماماً بالنسبة للحرب في أوكرانيا. عملياً فقد اتبعت جميع الدول الغربية خطى الولايات المتحدة بفرض عقوبات على روسيا، وتم تجميد الأصول المالية الروسية في المصارف الأمركية، واحتجاز اليخوت التابعة لكل رجال الأعمال المقربن من الرئيس الروسي فاديمر بوتن، وقبل بضعة أيام أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال ضد بوتن، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب.

وفي الواقع، فإن هذا التناقض في ردة فعل المجتمع الدولي مفيد، إذ إنه ليس هناك أي شيء مثله يوضح الفرق بن نفوذ روسيا الهزيل في العالم، مقارنة بنفوذ الولايات المتحدة. ويعتره بوتن أمراً مهيناً. وربما يرغب الرئيس الروسي في الاعتقاد بأن دولته هي قوة عظمى، ولكن في واقع الأمر، بمعزل عن ترسانتها النووية، يبدو نفوذ روسيا في العالم بسيطاً. وتعرض بوتن لانتقادات واسعة عالمياً، واتهموه بأنه ينوي إعادة بناء امراطورية عن طريق الاستياء على الأرض، وتخويف الدول الواقعة على حدود روسيا الغربية والجنوبية.

أسلوب جديد للإمبراطورية

من جانبها، تدير الولايات المتحدة أسلوباً جديداً لإمراطورية، وبنجاح كبر، وهي تتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي مهول في جميع القارات، وتسيطر على النظام المالي العالمي، وتشغل 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة، ولا يجرؤ معظم دول العالم على معارضة أوامر واشنطن.

ويرى بعض المحللن أنه إذا تعرضت روسيا للهزيمة في الحرب الجارية، ستكون أوروبا قادرة على التمتع بمنظومة عاقات سلمية لما بعد الإمراطورية، واستقالية في القارة للمرة الأولى في التاريخ. وسينى الأوروبيون حلف شمال الأطلي «الناتو»، إذ تم تشكيل حلف شمال الأطلي في عام 1949، ولايزال يواصل العمل كأداة للسيطرة الأمركية على أوروبا. وربما يرفض الحلفاء المشاركة في عمليات الولايات المتحدة العسكرية، كما فعلت فرنسا وألمانيا بشجاعة في حرب العراق عام 2003 ، ولكنهما لم تجاهرا علناً بإدانتها باعتبارها غر قانونية، أو الدعوة إلى فرض عقوبات على واشنطن.

توسع الحلف

ويبدو أن الأوروبين، وبعض الأمركين، بمن فيهم كبار المسؤولن السابقن والحالين، الذين يعارضون توسع حلف شمال الأطلي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أو أنهم يؤيدون حل الحلف، باعتبار أن العدو قد انتهى، لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم. وكانت دول البلطيق وبولندا تتوق إلى حماية مظلة الامريالية الأمركية، التي لن يتنازل عنها مجمع الصناعة العسكرية في الولايات المتحدة تحت أي ظرف.

والأمر الآخر الذي لن يحدث أيضاً هو اقتراح دعوة روسيا الاتحادية إلى الانضمام إلى «الناتو»، وبالتالي تعزيز المصالحة في فترة ما بعد الحرب الباردة، ولكن ذلك لم يحدث. وعلى الرغم من أن قائدي روسيا، ميخائيل غورباتشوف، وبوريس يلتسن، كانا حريصن على إنهاء الانقسام في أوروبا، إلا أن واشنطن لم تفتح باب الحلف من أجل عضو جديد يمكن أن يضاهي الولايات المتحدة من حيث ترسانتها النووية، وربما يتشكك في أولوياتها السياسية.

نهاية العالم بقطب أحادي

والآن، وبعد 30 عاماً على انهيار الاتحاد السوفييتي، ثمة مؤشرات على أن العالم الأحادي القطب الذي تتزعمه الولايات المتحدة على وشك أن ينتهي. والطرف الرئيس الذي يتحدى الولايات المتحدة ليس روسيا، وإنما الصن، التي تزداد ثقة بنفسها، ويبدو أن قادة العالم في جنوب الكوكب بدأوا يتململون من هذا الواقع. وخال أول موجة من الصدمة بشأن الحرب في

أوكرانيا في فراير من العام الماضي، صوتت نحو 140 دولة بإدانة روسيا على هذه الحرب، ولكن 40 دولة فقط انضمت إلى الولايات المتحدة لفرض العقوبات على روسيا. وعندما قام العالم الغربي بإغراق أوكرانيا بالمساعدات العسكرية، على أساس أنها تهدف فقط إلى مساعدة كييف على الدفاع عن نفسها، بدا الأمر مثراً للشكوك بالنسبة لدول آسيا وإفريقيا وأمركا الاتينية، التي بدأت تشكك في أن الهدف النهائي من ذلك هو تغير النظام في الكرملن.

التناقض في ردة فعل المجتمع الدولي تجاه حربي العراق وأوكرانيا مفيد، إذ إنه ليس هناك أي شيء مثله يوضح الفرق بين نفوذ روسيا الهزيل في العالم، مقارنة بنفوذ الولايات المتحدة.

نهاية سريعة للحرب

ويكشف استطاع قام به المجلس الأوروبي للعاقات الخارجية عن تغر في الرأي العام، في العديد من الدول الرئيسة في العالم، إذ إن الناس يريدون نهاية سريعة للحرب في أوكرانيا، ولو كان ذلك يعني تخي أوكرانيا عن الطموحات المدعومة من الغرب بتحقيق النصر على روسيا، وقبول خسارة مؤقتة لبعض المناطق. وليس مواطنو الصن الذين يريدون ذلك، وإنما مواطنو الهند وتركيا أيضاً.

أدى غزو بوش وبلير للعراق واحتلاله، وما نجم عن ذلك من فوضى، إلى حصد أرواح نحو مليون مدني، وفق أحد الإحصاءات. وارتكبت القوات الأميركية عدداً لا يحصى من جرائم الحرب، ليس أقلها تعذيب الجنود الذين تم أسرهم.

الغرب يخسر صدقيته

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في مؤتمر ميونيخ للأمن، الشهر الماضي «أرى مدى قوة الرواية الروسية، إنها اتهامات بالكيل بمكيالن.» وقال الرئيس الفرني، إيمانويل ماكرون، إنه «كان مصدوماً لمدى الصدقية التي نخسرها في دول جنوب العالم .»

ويخى البعض من حدوث حرب باردة جديدة، وهذه المرة بن الغرب والصن. ويتوقع البعض وجود عالم متعدد الأقطاب، حيث لا تخضع الدول للضغوط للتحالف مع طرف معن أو آخر. وفي كلتا الحالتن، وعلى الرغم من ظهور قوة الولايات المتحدة في أوروبا نتيجة الحرب في أوكرانيا، فإن فترة التفوق الأمركي في أنحاء العالم على الأرجح ستنتهي قريباً.

اتسمت ردة فعل دول العالم على غزو بوش وبلير بالرفض، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوة ضدهما. ولم يتم فرض أي عقوبات حكومية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا. ولم يبادر المحققون من المحكمة الدولية بأخذ أية أدلة من أجل الملاحقات القضائية لجرائم الحرب التي تم ارتكابها.

الإمارات اليوم تقارير

ar-ae

2023-03-23T07:00:00.0000000Z

2023-03-23T07:00:00.0000000Z

https://epaper.emaratalyoum.com/article/282299619413352

Al Bayan