بـــــنـــــى كـــــــارامـــــــبـــــــا ديـــــــــابـــــــــي، الـــــســـــنـــــغـــــايل األصــــــــــــــل، مــــســــرتــــه السياسية يف مكان غر متوقع يف أملانيا، وأصبح عضواً يف الــحــزب الـديـمـقـراطـي االجـتـمـاعـي األملــــاين. وعـــى الــرغــم من الـــتـــهـــديـــدات والـــهـــجـــمـــات، فـــهـــو ال يــخــطــط لــتــغــيــر مــســرتــه السياسية. كارامبا ديابي، 61( عاما)، عضو يف الربملان عن الحزب الديمقراطي االجتماعي من يسار الوسط منذ عام ،2013 ويمثل الدائرة االنتخابية التي تضم منطقة هاليه يف البوندستاغ، وهو الربملان االتحادي األملاين. منذ انتخابه ألول مـــــرة، تـــعـــرض مـكـتـبـه يف هــالــيــه لـــثـــاث هــجــمــات. املـــرة األوىل كـانـت يف مـايـو ،2015 حينما حـطـم الـهـجـوم نـوافـذ مكتبه. ثم يف عام ،2020 أطلق شخص ما خمس طلقات عى نافذة مكتبه، وتلقى تهديدا بالقتل بعد وقت قصر كـتـب عليه عـبـارة «يحيا هتلر». ويف الهجوم الـثـالـث، قبل مـــا يــزيــد قــلــيــا عـــى ســتــة أشـــهـــر، أشــعــل رجـــل الـــنـــار يف بــاب مكتبه. وتمكن املـــارة مـن إلـقـاء القبض عـى منفذ الحريق فور إشعاله النار، واحتجزوه حتى وصول الشرطة. وكان ديـــــابـــــي يــــعــــرف الـــــرجـــــل، حـــيـــث أبــــلــــغ الــــشــــرطــــة عـــنـــه يف ســت مناسبات مختلفة بتهمة إهانته وإرسال رسائل تهديد.

ألفة المكان

ظــــل ديــــابــــي يــعــيــش يف هـــالـــيـــه مـــنـــذ 35 عــــامــــا، تــعــلــم يف جــامــعــتــهــا، وفــيــهــا الــتــقــى زوجـــتـــه وكــــــون عــائــلــتــه. لــقــد كــان هــنــاك خـــال الــســنــوات األخــــرة مــن حـكـم أملـانـيـا الـشـرقـيـة، وشهد سقوط جدار برلني يف هاليه، والفرتة الصعبة التي تـــــلـــــت ذلـــــــــــك. إذا ســــــألــــــت ديـــــــابـــــــي عـــــــن املــــــشــــــاعــــــر الــــــتــــــي تــــربــــطــــه بـــاملـــديـــنـــة، فـــيـــقـــول لــــك «األلـــــفـــــة». ولـــكــن كـــانـــت هـــنـــاك أيـــضـــاً لحظات ألقت بظالها عى حياته يف هاليه. الرسائل التي تــــــــم فـــــيـــــهـــــا إهــــــانــــــتــــــه ووصــــــــفــــــــه بـــــــ«الــــــخــــــنــــــزيــــــر األســـــــــــــــود الــــــــقــــــــذر». واألوقــــــــــات الــــتــــي تــــســــاءل فـــيـــهـــا عـــمـــا إذا كـــــان حــــضــــور حـــدث مسايئ آمنا له أم ال؟!

كثرا ما سأل األصدقاء والزماء واألقارب ديابي عن سبب بقائه يف هاليه طـــوال هــذا الــوقــت. رغــم االعــتــداءات والشتائم والخوف. فكان رده دائما: «أشعر براحة شديدة يف هاليه». لكن مـن الصعب أال نتساءل كيف يكون مثل هـذا األمــر ممكنا؟ كيف يمكنك أن تقاتل نيابة عـن مدينة يــقــاتــلــك بــعــضــهــم فــيــهــا بـــاســـتـــمـــرار؟ كـــيـــف يــمــكــنــك مــقــاومــة الكراهية يف مكان تسميه وطنك؟

يف الــتــســعــيــنــات حــصــل ديـــابـــي عـــى درجـــــة الـــدكـــتـــوراه، وكــــــانــــــت األطـــــــروحـــــــة بـــــعـــــنـــــوان: «مـــــحـــــتـــــوى املـــــــعـــــــادن الـــثـــقـــيـــلـــة واملــغــذيــات يف حــدائــق هــالــيــه»، وكـــان املـسـتـثـمـرون يف ذلـك الـوقـت يعتقدون أن الـحـدائـق يف هاليه قـد ينتهي أمـرهـا، ألن الرتبة قد تسممت بسبب الصناعة يف أملانيا الشرقية. انتقل ديابي من مجموعة سكنية إىل أخرى، وزرع الكرنب أو الــــــــكــــــــرفــــــــس. ويف وقـــــــــــت الحــــــــــــــق، قـــــــــــام بـــــفـــــحـــــص مــــقــــابــــض الجذور، ووجد أنها كلها صالحة لألكل. ويف حاالت قليلة فـــقـــط تـــــجـــــاوزت الـــعـــنـــاصـــر الـــــضـــــارة الـــعـــتـــبـــة. ونــــجــــت حـــدائـــق املجموعات السكنية من الزوال.

يقول ديابي إن عمله يف الحدائق كـان هو املــرة األوىل الــتــي الــتــقــى فـيـهـا وجـــهـــا لــوجــه األملـــــان الــشــرقــيــني. بـالـطـبـع، سمع بعض التعليقات الغبية - مثل قول البعض إنه كان يف أملــانــيــا فـقـط مــن أجـــل الــنــســاء الـــشـــقـــراوات، وأشـــيـــاء من هـــذا الـقـبـيـل. يــقــول ديـــابـــي: «لــكــن يف مـعـظـم الـــحـــاالت، تم اســــتــــقــــبــــايل بــــــــــــأذرع مـــــفـــــتـــــوحـــــة». كــــــانــــــوا يـــــدعـــــونـــــه إىل أكــــــــواخ حدائقهم أو إىل حفات الشواء. يستمتع ديابي بالبستنة والــــحــــصــــاد الــــــــذي يـــنـــتـــجـــه والــــشــــعــــور بــــاالنــــتــــمــــاء لــلــمــجــتــمــع. يــقــول «شــعــرت بـأنـنـي مــقــبــول»، ســاعــده الـبـسـتـانـيـون عى الشعور بأنه يف بيته يف هاليه.

فهم خطأ جاء به إلى هاليه

بــــــدأت حــــيــــاة ديــــابــــي يف هـــالـــيـــه بــــســــوء فــــهــــم، وصـــــل إىل أملــــانــــيــــا الـــشـــرقـــيـــة عــــــام 1985 قـــــادمـــــا مـــــن الـــســـنـــغـــال بــمــنــحــة دراســــــيــــــة. يف األشـــــهـــــر األوىل بـــعـــد وصـــــولـــــه، الـــتـــحـــق ديـــابـــي وغــــــــــره مــــــن الــــــطــــــاب الــــــدولــــــيــــــني بــــــــــــدورة الـــــلـــــغـــــة األملــــــانــــــيــــــة يف اليــبــزيــغ، قـبـل إرســالــهــم بـعـد ذلـــك إىل جـامـعـات مختلفة. تم وضع ديابي يف مرسبورغ، لكنه أراد الذهاب إىل هايل بدال من ذلك. لقد سمع أنها موطن لجامعة مارتن لوثر، واعـــــتـــــقـــــد أنـــــهـــــا ســــمــــيــــت عــــــى اســــــــم نـــــاشـــــط الـــــحـــــقـــــوق املــــدنــــيــــة األســــــود مـــارتـــن لـــوثـــر كـــيـــنـــغ. اعـــتـــقـــد ديـــابـــي أنــــه ســـيـــكـــون مـن دواعي الشرف أن يتابع دراسته الجامعية يف مكان كهذا. ولــــم يــعــلــم إال الحـــقـــا أنــــه تــمــت تـسـمـيـتـهـا عـــى اســــم مــارتــن لوثر مختلف.

عى الرغم من حصوله عى شهادة يف الكيمياء، لم يتمكن ديابي من العثور عى وظيفة بعد التخرج. ويقول إنه خال هذه الفرتة، تقدم بطلب للحصول عى وظيفة يف شركة تدعى كـارامـبـا كيميكالز، التي تنتج أشـيـاء مثل املحاليل املضادة للصدأ. لكنه لم يتلق أي رد. ربما اعتقدت الـــــشـــــركـــــة أن األمــــــــــر كــــــــان مـــــزحـــــة ســــيــــئــــة، حــــيــــث كــــــــان هـــنـــاك شخص يدعى كارامبا يتقدم لوظيفة يف شركة كارامبا.

ومــــثــــل آالف آخـــــريـــــن يف أملــــانــــيــــا الــــشــــرقــــيــــة بــــعــــد ســـقـــوط الـــشـــيـــوعـــيـــة، انـــتـــهـــى األمــــــر بـــديـــابـــي يف بـــرنـــامـــج عـــمـــل، حـيـث انخرط يف التثقيف السيايس، وزار املــدارس، وتحدث إىل الشباب حـول العنصرية والتطرف اليميني. وبعد ذلـك، انخرط بشكل متزايد يف العمل السيايس.

يقول ديابي إنه لم يكن ليصل إىل ما وصل إليه لوال الــــــــفــــــــرص الـــــــتـــــــي أتــــــيــــــحــــــت لــــــــه يف أملـــــــانـــــــيـــــــا. انـــــــضـــــــم إىل الــــــحــــــزب االشرتايك الديمقراطي يف عام ،2008 ويرجع ذلك جزئياً إىل ارتباطه بقضايا العدالة االجتماعية.

واليوم، بصفته برملانيا، أصبح ديابي عضوا يف لجنة التعاون االقتصادي والتنمية، ولجنة الشؤون الخارجية، واملـــجـــمـــوعـــة الـــربملـــانـــيـــة لـــغـــرب إفـــريـــقـــيـــا. ويف اآلونـــــــة األخـــــرة

فقط، احتفل بالذكرى السنوية الـ01 لتوليه منصب عضو يف البوندستاغ.

ال يحب االختباء

إنها فرتة ما بعد الظهرة يف منتصف يوليو. كان ديابي يـجـلـس يف مـكـتـب يف الــطــابــق األعــــى مــن مـسـتـوى الــشــارع. مـــــكـــــتـــــبـــــه الـــــــســـــــابـــــــق يف الـــــــطـــــــابـــــــق األريض اليـــــــــــــــــزال غـــــــــر جـــــاهـــــز لـاسـتـخـدام مــرة أخـــرى بـعـد الـحـريـق املـتـعـمـد. ال يمكن أن تــــــبــــــدأ أعـــــــمـــــــال الـــــتـــــجـــــديـــــد حـــــتـــــى تــــنــــتــــهــــي شــــــركــــــة الـــــتـــــأمـــــني مـــن فحصها.

يـــبـــدأ ديـــابـــي الـــحـــديـــث عـــن الــتــحــقــيــق يف حـــــادث الــحــرق املتعمد. ألقت الشرطة القبض عى مشتبه فيه، وهو رهن الحبس االحتياطي، ومـن املقرر أن تبدأ اإلجـــراءات قريبا. لـــــــــم يــــــتــــــم الـــــــعـــــــثـــــــور عـــــــــى األشـــــــــــخـــــــــــاص الـــــــــذيـــــــــن يــــــقــــــفــــــون وراء الهجومني األولني عى ديابي، ما يجعلها املرة األوىل التي يـــمـــثـــل فـــيـــهـــا مـــهـــاجـــم مـــتـــهـــم أمـــــــام املـــحـــكـــمـــة، ويــــأمــــل ديـــابـــي تحقيق العدالة يف هذه املناسبة عى األقل.

يقول ديابي: «بعد الهجمات، كان بإمكاين االنتقال إىل مكتب يف الطابق الخامس أو السادس، بحيث ال يرى الناس من الخارج سوى اسمي عى جرس الباب». ولكن هـــذا كـــان سـيـبـدو كــأنــه يختبئ إىل حــد كــبــر. ويــريــد أن يــراه الـــــنـــــاس. إنـــــه يــــريــــد أن يــــكــــون الــــنــــاس قـــــادريـــــن عــــى الــــدخــــول بشكل عـفـوي لـتـنـاول فنجان مـن الـقـهـوة. ويــقــول: «اآلن، يــجــب عـــى الـــنـــاس أن يـــعـــرفـــوا مــســبــقــا مــتــى أقـــبـــل الــــــزوار»، معربا عن أسفه ألنه لم يعد أحد يأيت دون موعد.

ويــــقــــول ديــــابــــي إن اإلهــــانــــات واملـــضـــايـــقـــات عــــى وســـائـــل الــــتــــواصــــل االجـــتـــمـــاعـــي تـــــزايـــــدت يف الــــســــنــــوات األخــــــــرة. لـقـد تلقى مرارا وتكرارا رسائل كراهية، ويشعر بالقلق املتزايد مــــن أن الــــجــــدل الـــســـيـــايس أصــــبــــح أكـــــر تــــطــــرفــــا. ويف إحــــدى املــنــاســبــات يف عـــام ،1990 عــنــدمــا نـــزل ديـــابـــي مـــن الـحـافـلـة ذات مساء، صاح شابان خلفه، واتهموه بعدم دفع ثمن رحـــلـــتـــه. تـــوقـــف ديــــابــــي لــيــظــهــر لـــهـــم تـــذكـــرتـــه، فــلــكــمــوه عـى وجهه، وكسروا نظارته.

عندما ترشح الحزب الديمقراطي االشرتايك ملقعد يف الــــبــــونــــدســــتــــاغ لـــلـــمـــرة األوىل يف عــــــام ،2013 أحــــــــدث ضــجــة كـبـرة. أول بـرملـاين أملــاين أســود ولــد يف إفريقيا – وجــاء من شـرق أملانيا. غطت وسـائـل اإلعــام الدولية مثل نيويورك تـــــايـــــمـــــز ويس إن إن وقـــــــنـــــــاة الــــــجــــــزيــــــرة قـــــصـــــتـــــه. كـــــمـــــا نــــشــــرت صحيفة دير شبيغل مقاال عن ديابي بعنوان «التجربة». أشـــــــار املـــــوضـــــوع إىل أنــــــه يف بـــعـــض أجـــــــــزاء هــــالــــيــــه، كــــــان مــن الخطر عى األشخاص من ذوي البشرة امللونة أن يخرجوا إىل الشارع لياً. وبعد نشر املوضوع اشتىك ديابي قائاً إنه شــعــر كــأنــه تــعــرض لــلــخــداع مـــن الـصـحـيـفـة، وأن املــوضــوع أخطأ يف حق هاليه.