الإمارات اليوم

مدينة شنقيط الموريتانية تقاوم زحف الرمال للبقاء على قيد الحياة

ترجمة: عوض خيري ⬛ عن «الغارديان» و«واشنطن بوست »

تعتر مدينة شنقيط مركزاً تجارياً يعود إلى زمن العصور الوسطى في شمال موريتانيا، وتقع على هضبة أدرار شرق أتار. تأسست في القرن ال13 كمركز تلتقي عنده طرق التجارة عر الصحراء. المعالم الرئيسة في المدينة القديمة تتمثل في مسجد الجمعة، وهو مبنى قديم مشيّد من الحجر، ويضم مئذنة مربعة مغطاة بخمسة تيجان من بيض النعام، وهو المعلم الأساسي للمدينة. وتم بناؤه في القرن ال13 أو ال14، ويُعتقد أنها ثاني أقدم مئذنة يتم استخدامها باستمرار في العالم الإسلامي حتى الآن.

مركز ديني وثقافي

كانت هذه الواحة الصحراوية ذات يوم موطناً لبعض مخطوطات النصوص القرآنية في العالم خلال العصور الوسطى، وكانت مركزاً فكرياً قبل أكر من 1200 عام. وكانت تستقبل المسافرين الباحثين عن مأوى من حرارة الصحراء الحارقة لأكر من 1200 عام. وأصبحت في القرن الثامن محطة لقوافل الحجاج المسافرين إلى مكة، وازدهرت هذه الواحة الصحراوية في النهاية لتصبح واحدة من أكر مراكز العلوم والدين والرياضيات في غرب إفريقيا. ووفقاً لأحد المصادر، كانت المدينة تستوعب ما يصل إلى 30 ألف من الإبل في وقت واحد، وكانت البضائع المنقولة بواسطة قوافل الجمال هذه هي التي جعلتها مزدهرة وسط الصحراء.

ومع وصول المزيد من العلماء والحجاج، ازدهرت النصوص الدينية والدراسات العلمية والمخطوطات التاريخية. في الواقع، تراكم الكثر من هذه الوثائق التاريخية على مر السنين. وعندما بلغت شنقيط ذروة مجدها بين القرنين ال13 وال17، كانت هذه المدينة المزدهرة تضم 30 مكتبة. وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للربية والعلوم والثقافة )اليونيسكو( شنقيط على قائمة الراث العالمي منذ عام 1996.

كانت المنطقة التي تضم شنقيط ذات يوم من مناطق السافانا الرائعة. ويتضح هذا من لوحات مرسومة على جدران الكهوف خلال العصر الحجري الحديث في أغور بالقرب من ممر أموججار، والتي يوجد داخلها رسومات للزراف والأبقار وغرها من حيوانات المناطق المطرة، وهي ترعى في أرض عشبية خصبة. واليوم تتهدد المدينة الرمال الزاحفة التي ابتلعت بالفعل أجزاءً منها.

مدينة المكتبات

المباني البارزة الأخرى في المدينة تتمثل في قلعة الفيلق الفرني السابق، وبرج مياه طويل. ولكن من بين هذه المباني الجديرة بالملاحظة، هي المكتبات الشهرة، التي أعطت المدينة اسم «مدينة المكتبات». وفي الواقع، توجد في الحي القديم خمس مكتبات مخطوطات مهمة للنصوص العلمية والقرآنية، ويرجع تاريخ العديد منها إلى العصور الوسطى المتأخرة.

كانت شنقيط ذات يوم موطناً ل20 ألف شخص، إلا أنها تضم الآن بضعة آلاف فقط من السكان، الذين يعتمدون غالباً على السياحة في معيشتهم. وهي مدينة معزولة ويصعب الوصول إليها، حيث تقع على بُعد 104 كيلومرات من مدينة أتار، ويمكن الوصول إليها فقط بسيارة دفع رباعي، ومع ذلك فهي أكر المواقع السياحية زيارة في البلاد، حيث يعتر مسجدها على نطاق واسع رمزاً لموريتانيا. ويحظر على الزوار غر المسلمين دخول المسجد، لكن يمكنهم مشاهدة النصوص القرآنية والعلمية الثمينة في مكتبات الحي القديم، وتجربة الضيافة البدوية التقليدية في محيط بسيط.

ولاتزال خمس مكتبات من المكتبات الأصلية باقية إلى اليوم، حيث يتولى فريق من الأوصياء المخلصين الحفاظ على أكر من 1000 مخطوطة قرآنية لا تقدر بثمن، من الرمال والرياح والحرارة. ولكن مع استمرار الصحراء الكرى في الزحف جنوباً بمعدل سريع، فإن ذلك قد يشكل خطراً على مباني شنقيط ذات الأسطح المنخفضة، ومع تغرّ المناخ الذي تسبب، أخراً، في حدوث فيضانات موسمية سريعة في المدينة، فإن مستقبل هذه الكنوز الإسلامية لايزال يتهدده الخطر.

من بين أكر من 33 ألف مخطوطة عربية قديمة تم تحديدها في نهاية التسعينات في موريتانيا، لم يصل منها سوى العُشر إلى المتحف القومي الموريتاني. ولاتزال هذه الكتب والمخطوطات في

أيدي مالكيها الخاصين. يقول أحد المسؤولين في المتحف: «لقد جربنا كل شيء، عرضنا تعويض العائلات التي تحتفظ بهذه الوثائق، لكن لم يقبل أحد بذلك»، ويضيف: «إنه إرث من أسلافهم، ونعتقد أن لهم الحق في الحفاظ عليه، لكن الجميع يبذل قصارى جهده في تخزين الكتب في صناديق، إنه مجرد تخزين وليس ترميماً.» ويقول: «إن مشروعاً برعاية ألمانية لتسجيل المخطوطات على )الميكروفيلم(، واجه معارضة من تلك العائلات .»

كانت هذه الواحة الصحراوية ذات يوم موطناً لبعض مخطوطات النصوص القرآنية في العالم خلال العصور الوسطى، وكانت مركزاً فكرياً قبل أكثر من 1200 عام. وكانت تستقبل المسافرين الباحثين عن مأوى من حرارة الصحراء الحارقة لأكثر من 1200 عام.

وفقاً لأحد المصادر، كانت المدينة تستوعب ما يصل إلى 30 ألف من الإبل في وقت واحد، وكانت البضائع المنقولة بواسطة قوافل الجمال هذه هي التي جعلتها مزدهرة وسط الصحراء.

تراث تتناقله الأجيال

وتتناقل الأجيال المخطوطات العائلية، التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن ال10، ومعظمها لايزال مملوكاً للعائلات، وموزعة حول أربعة مراكز رئيسة: )شنقيط، ودان، وأولاتان، وتيشيت(. وهذه المدن مدرجة في قائمة )اليونيسكو للراث العالمي( منذ عام 1996. وتمتلك عائلة سيدي ولد محمد حبوت، التي تمتد أصولها في المنطقة منذ القرن ال19، واحدة من أرقى المكتبات الخاصة، التي تحتوي على 1400 كتاب تغطي عشرات الموضوعات، مثل: القرآن، والحديث النبوي، وعلم الفلك، والرياضيات والهندسة، والقانون والقواعد، حيث يعود أقدم مجلد مكتوب على ورق صيني إلى القرن ال11.

وسافر أسلاف العائلة على ظهور الجمال إلى مكة، للعثور على هذه الكنوز، حيث كانوا يقضون ستة أشهر هناك قبل عودتهم، وساروا على خُطى العلماء الذين قاموا بتأليف الكتب، وتبادلها، ونسخها في سياق رحلاتهم بالقوافل. وفي الواقع، ترسّخ الإسلام بهذه الوسيلة في موريتانيا. ويشرح رئيس معهد البحوث

العلمية الموريتاني، جيد ولد عبدي، قائلاً: «في ظل عدم وجود الزراعة والمواد الخام، اهتمت الدولة بثقافتها». ويضيف: «لقد ذكر عالم الإثنيات الفرني، أوديت دو بويغو، أن لكل عالم من العلماء مكتبته الخاصة»، في إشارة إلى «الكتب ذات الغلاف الجلدي التي جلبها الحجاج من شمال إفريقيا ومصر وسورية.» وتجتمع عائلة حبوت كل عام لتعيين وصي على المخطوطات.

عدو يزحف نحو المدينة

تجهيزات المكتبة بدائية للغاية، وتتألف من خزانات معدنية، وصناديق أرشيفية، وأوعية كبرة من الماء في الزوايا الأربع للغرفة، لرطيب المكان في هذا العالم الصحراوي الحار. إلا أن الرمال تحيط بالمكان، كعدو مخيف، وتزحف نحو المدينة وتتقدم أمتاراً عدة كل عام. واجتاحت، أخراً، ميدان القلعة القديمة، ولم يتبق من الميدان سوى جدران قليلة ومسجد. وفي منزل قريب، يشر

مدير المدرسة الثانوية المحلية، سيف الإسلام، بيده إلى مكتبة أخرى بها نحو 700 مجلد مغر. ويقول: «تحاول الدولة أن تضع يدها على هذا الراث منذ سنوات، لكن لا يستطيع أحد من المواطنين التخلي عنه، فهو مثل اليد والقدم يعتر جزءاً من هذه العائلات.»

ومنذ مقتل أربعة سائحين فرنسيين في ديسمر 2007، وتعرض أوروبيين آخرين للخطف، على يد تنظيم «القاعدة» في شمال المغرب العربي قل عدد الزوّار، وأصبحت الشوارع الرملية خالية والمحال مغلقة. على الطريق الوحيد المعبّد من نواكشوط إلى أكار، التي تقع على بُعد ساعة من شنقيط، هناك حركة مرور قليلة. ولأنه من الصعب العثور على عمل يغادر الشباب إلى العاصمة، ما يجعل هذه المدينة الصحراوية تبدو أكر عزلة.

الإمارات اليوم حكايات سياسية

ar-ae

2023-03-23T07:00:00.0000000Z

2023-03-23T07:00:00.0000000Z

https://epaper.emaratalyoum.com/article/282291029478760

Al Bayan