الإمارات اليوم

«ال.. ال.. لن نحتاج المال!»

* محام وكاتب إعالمي twitter.com/dryalsharif www.ysalc.ae

لألسف شاع مفهوم خاطئ يف مجتمعاتنا، وربما نتشارك فيه مع جل البشر بأن هناك ارتباطا كبريا بني املال أو الغنى وانعدام األخالق، فدائما ما نتغنى بأخالق األشخاص النزهاء الفقراء الذين لم تغرهم مظاهر الحياة وال زينتها ومازالوا زاهدين يف الدنيا، ودعوين أرجع لزينة الحياة؛ ألم يذكرها الله - سبحانه وتعاىل - بأنها هي املال والبنون، إذا ملاذا ساد املفهوم املخالف لألصل؟! وملاذا باتت لدينا ازدواجية وغلط يف تصوير الغني واألشخاص األغنياء ورسم صورة ظاملة لهم يف كثري من األحيان؟ يف الحقيقة وأنا أهم بإعداد أوراقي لكتابة مقال هذا املوضوع،

ًَ استوقفني ما استذكرت من أنشودة دائما ما كنا نسمعها ونسمعها ألوالدنا حتى غدت لصيقة لتكرار ألسنتنا، والتي تقول يف مطلعها: «ال ال لن نحتاج املال.. يك نزداد جماال رونقنا هنا»، ويشري إىل قلبه، والحقيقة أنني لست ضد هذه األنشودة بحد ذاتها، ولكن يجب أن نتناول املوضوعات بتصورها وبمكانها الصحيح، فاألنشودة هذه ومثلها الكثري تدعو ألن نكون جميلني من دواخلنا، وهذا أمر رائع ومن الواجب أن نسعى لذلك، ولكن هل وجود املال ال يحملنا ألن نكون جميلني من الداخل؟! وهل أن أصحاب املال هم أشخاص سيئون فعال يف بواطنهم؟

حقيقة فإنني أجد أن هذا األمر فيه جانب كبري من الخطأ، خصوصا وأن لدينا نماذج كثرية من األغنياء وأصحاب املاليني الذين يمتازون بحسن أخالقهم العالية ويقدمون ملجتمعاتهم الكثري، وحتى من كانت أوضاعهم جيدة ومتوسطة وممن يظهرون نعم الله عليهم، كثرياً ما نجدهم أشخاصًا أسوياء يف تصرفاتهم ومنضبطني يف أخالقهم، ومن هذا املنطلق أقول إن املال يمكن أن يجعلنا أجمل، وليس بالضرورة أن يرتبط بأمور سلبية.

ولو عدنا لألنشودة التي ذكرت مطلعها سلفا، فالجمال الذي أظهر منشدها يف الفيديو كليب، بعمل فني مناسب له ولعمله، نجد أن املال كان جزءاً كبرياً من إخراج العمل وإخراج ذات املنشد بأبهى طلة، فاملال يجملنا إن أردنا ذلك، من ظاهرنا وباطننا، وكذلك يقبحنا إن أسأنا استعماله، أو كان أحدهم حديث عهد بالنعم، فغرته مظاهر الدنيا وعال واستكرب عىل الناس بسببها، فال عالقة للمال بما تضمره النفوس.

يف أحياٍن كثريٍة يكون املال سببًا لحسن أخالقنا، خصوصًا عندما نجد من يستخدمه ملساعدة عائلته وأهل بيته والفقراء واملحتاجني من حوله، أو حتى نفسه، فال عيب وال حرام يف ذلك، بل بالعكس من الجميل أن يتمتع اإلنسان بما أنعم الله عليه، وعىل جانب آخر قد نجد كثريا من األشخاص ممن يحتاجون للمال ليك يظهروا أخالقهم، وقد تقول يل: كيف ذلك؟! وأجيب؛ كم من شخص يف هذا العالم ال يستطيع أن يصل رحمه بسبب قلة حيلته، وكم من شخص لم يستطع أن يقدم ألهله ما يحتاجون بسبب فقر حاله، وكم من شخص أراد أن تكون له بصمة خري يف هذا العالم ولكن أفكاره تتطلب األموال لتنفيذها، كل هؤالء وأمثلة كثرية يصعب ذكرها بحاجة إىل املال ليك تظهر أخالقهم الجميلة إن كانت حقا جميلة، ولم تكن مجرد أمنية أن يحصل عىل املال، وحال تمتعه به تظهر أخالقه الحقيقية التي ال تمت إىل الجوهر الذي كان يزعمه.

ويخالج نفيس سؤال وهو: كيف لنا أن نقول ألوالدنا إن عليهم أن يجتهدوا وأن يعملوا بجد وأن يكملوا مراحلهم الدراسية ليك يتسلموا مناصب أو وظائف مرموقة.. وكيف نطلب منهم أن يكون لديهم منهج يف الحياة ليكونوا أشخاصا ناجحني.. ويف املقابل نصور لهم مفاهيم مغلوطة عن املال؟

أليس نصيب كل مجتهد هو مال يقدره ويقدر عمله؟ ولو كان األمر بخالف هذا ملا وجدنا شخصا منا يجتهد، فاملال حاجة نفسية له جوانبه اإليجابية، والغنى والراحة املالية قد يكون لهما آثار إيجابية عىل املجتمع، فيجعالنه أقل إجرامًا وأكرث خلقًا، وما هذا املقال إال بريق ضوء أردت أن أسلطه عىل الجوانب اإليجابية ألن تكون صاحب مال، وعلينا أن نغري نظرتنا للغنى، فهو صورة أخرى لجمالنا وجمال أخالقنا، ودعونا نقل: ال، ال.. كم نحتاج املال.

الإمارات اليوم الخط الساخن

ar-ae

2022-08-10T07:00:00.0000000Z

2022-08-10T07:00:00.0000000Z

https://epaper.emaratalyoum.com/article/281736978225564

Al Bayan